أورد الجاحظ نصًّا للعتَّابي يذكر فيه أنَّ اللسان الذي يروقُ الألسنة ويفوق كل خطيب يكون في إظهارِ ما غمض من الحق، وتصوير الباطل في صورة الحق. وقول العتابيِّ يشير إلى أنّ مرتبة البلاغة تقف عند الإفهام دون إعادة أو حبسة أو استعانة، وهذا التعريف للبلاغة تفسير قول صحار العبديّ (أن تجيب فلا تبطئ)؛ لأنّ الإفهام دون إعادة أو حبسة أو استعانة يعني أن تكون إجابتك سريعةً دون إبطاء. ولكنَّ العتابي جعل فوق مرتبة البلاغة مرتبة تروق الألسنة وتفوق الخطباء وهي قسمان: القسم الأول فيه كشفٌ وإيضاح الغامض من الحق، وهذا لا يكون إلا بقوة الكلام، ووضوح الشيء المتكلم عنه، والقسم الثاني أعلى من سابقه لأنَّ المعنى فيه باطل، والمطلوب إظهار الباطل الذي اختلاف فيه في صورة الحق، أي: أن يكون الكلام حقًّا لفظًا ومعنى لكنه...