كان الجاحظ يلاحقُ الإجابات عن سؤال: ما البلاغة؟ مثل ملاحقته الاحتمالات المطروحة لتعليل تحريم لحم الخنزير، ومما أثاره في السؤال أنّه لا إجابة يمكن التّحقق من ثبوتها، ولذلك كانت البلاغة إمّا: - شيئا (انفعالا) تجيش به الصدور. - أو آلةً تنتقل في الدهور. - أو صمتًا حين يجب السكوت. - أو إفهامًا لشيء ليس من المعاني والألفاظ ولا يظهرُ إلا بها. - أو سطوةً على الحياة بإدراك لوازم الأفكار. وأميلُ إلى أنّه كان يجد راحةً في الصمت؛ لأنّه وجد في الإيجاز صوتًا وصمتًا، وأورد في ذلك جواب صحارٍ العبديّ: أن تجيب فلا تبطئ وتقول فلا تخطئ، ثم انتبه صحارٌ لطول صوته فأعاده أوجز من الذي سبقه قائلا: لا تبطئ ولا تخطئ. وكثيرٌ من الحذف إيجاز، وكثيرٌ من التكثيف إيجاز، وكثيرٌ من الصمت بلاغة؛ لأنّ عمرو بن عبيد يرى في طول...