انطلق التفكير البلاغي عند الجاحظ بجمع أجوبة سؤال: ما البلاغة؟ ثم انتقل من ذلك إلى بناء نظريّةٍ تشعرُ المتأمِّل لكلامه أنّ البلاغة آلةٌ من الآلات التي يحتضنها فكر الإنسان، وأنّها مصدرُ الكلام الذي صورته -على رأيه- تلك العبارات التي ننطق بها، وتقوم هذه الآلة على إنتاج البيان. ومن أجل ذلك يمكننا أنْ نطرح السؤال التالي: كيف يتحقق بيان الجاحظ في قول الله تعالى: "ولا تقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرن"؟ حتى يتضح لنا حجم تلك الآلة وفائدتها. ونقول جوابًا عن السؤال متوكلين على الله تعالى: تتحقق البيانية الجاحظيّة من خلال المطابقة التي ينكشفُ عملها بالاختيار؛ إذْ نجدُ أنَّ الفعل (تقرب) يأتي في اللغة مفتوح الراء (تقرَبُ) ومضمومها (تقرُب). واختيارُ اللفظ (تقرَب) مفتوح الراء يدلُّ على أنّ المعنى المدلول عليه...