من أدلِّ الدلائل على اهتمام الجاحظ بالألفاظ أنّه سلَّط عمل الآلة البلاغية على الألفاظ فيما قاله عن البيان الذي هو: اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير... ثم علل ذلك بأنّ مدار الأمر على الفهم والإفهام بأي شيء كان ذلك الفهم والإفهام. وهذه الشيئية ليست إلا الألفاظ أو قسيماتها من الإشارة والخط والحال والنصبة؛ لأنّ هذه الخمسة وسائل الآلة البلاغية التي تستعمل لكشف قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير. واستعمال الجاحظ للفظة (قناع) تناسب ما أورده عن بلاغة الكتّاب من إحسانهم التعبير عن المعاني بالألفاظ الواسطة، وهذه إشارةٌ إلى أنّ الجاحظ ينظر إلى ما يمكن أنْ يحقق انتقال المعاني من قوم إلى قوم، ومن طبقة إلى طبقة وهو وسطٌ في نظره بين شيئيات العالم المحسوس ومعاني الدوالّ المشيرة...